Advertisements

السبت، 18 يونيو 2011

الباب الأول - الفصل الثانى : العصور الوسطى : الدولة العربية الاسلامية:أبعاد الامبراطورية-قواعد الامبراطورية -عوامل الانحدار

أبعاد الامبراطورية



1- الدولة العربية الاسلامية
: ونحن نتقدم خطوة اخرى نحو فهم استراتيجية الاستعمار التاريخى حين ننتقل الى العصور الوسطى التى تفتتحها الموجة العربية بانقلاب جذرى فى تلك الاستراتيجية . فقد خرج عرب الاسلام من قلب الجزيرة ليبنوا دولة لم تسبقها دولة فى الامتداد و الرقعة ولم تلحقها من بعد الا امبراطوريات العصر الحديث وحدها .
ابعاد الامبراطورية :
من اطراف الصين الى ابواب فرنسا , الى جانب العاالم العربى بتحديده الحديث , مضافا الى ذلك جميعا شبه الجزيرة الايبرية الا قليلا (المغرب الاوربى أو المغرب الثانى) .. فبعد أن كان الساحل الجنوبى الافريقى-الاسيوى يخضع كلية للساحل الشمالى , اصبحت السيطرة للساحل الجنوبى على نقط كثيرة من الساحل الشمالى , كما فى جنوب ايطاليا , و اّلت كل جزر البحر الى النفوذ العربى ..ولو أن العرب سموا البحر المتوسط ببحر العرب بدلا من بحر الروم , لما تعسفوا فى شىء .
أما فى الجنوب فقد انطلقت الموجة العربية لتتحلق حول المحيط الهندى بسواحله الافريقية و الهندية , ثم توغلت حتى الملايو و جزر الهند الشرقية , وبهذا تحول المحيط الهندى الى بحيرة عربية خالصة .
والمحصلة النهائية لهذا : امبراطورية تترامى على القارات القديمة الثلاث و تطل أو تشرف على المحيطات الثلاث أو على الاقل تتماس معها , وفى نفس الوقت ترتكز على محور قاطع يمتد من الملايو فى الشرق الى الاندلس فى الغرب ..كذلك كانت الامبراطورية ترتكز على قاطع اخر يبدأ من فرغاة و ينتهى بغانة...هذا بالعرض...أما طوليآ : من بحر قزوين الى مدغشقر.
امبراطورية تحريرية :
الحقيقة أن الدولة العربية كانت امبراطورية تحريرية , فهى التى حررت كل هذه المناطق من ربقة الاستعمار الرومانى أو الفارسى , وكانت السلطة (دولة بين الجميع) . فقد هاجر مركز الحكم السياسى بانتظام , فلم يلبث بعد قليل أن ترك (النواة النووية) فى جزيرة العرب ..فانتقل ذلك المركز الى الشام الاموية ثم غادرها الى العراق العباسى حتى تركه فى وقت ما الى مصر الفاطمية وكان المغرب مركز اخر للقوة , ومثله كان الاندلس.
ولعلنا لا ندفع بالتشبيه الى ابعد من حدوده السليمة اذا قلنا أنها كانت اول (كومنولث) فى التاريخ بالمعنى الحديث.

قواعد الامبراطورية

كيف امكن أن تقوم هذه الدولة (الماموث) التى تسبق زمانها بقرون ؟.

أكانت حفا فلتة شيطانية أو نموا طفيليا ؟ كيف انبثقت من (قلب ميت) فى صحراء الجزيرة ؟
لا شك أن جذوة الحماس الدينى هى التى الهبت خيال المؤمنين , ولكن علينا بعد هذا أن نبحث عن أسباب صلبة مادية.
الحلقة السعيدة : لعل الحلقة السعيدة التى تحف بقلب الجزيرة الميت هى البداية السعيدة .. فحول مهد العرب دائرة متصلة تجعلها ( خرقة بالية حواشيها من الذهب ) .. الهلال الخصيب فى الشمال بقطاعيه العراق و الشام , و هلال خصيب اخر اقل غنى نوعا فى الجنوب يجمع الحساء و عمان و حضرموت و اليمن و الحجاز , ثم يغلق الدائرة وادى النيل فى مصر.
فما أن يضع القلب الميت يده على هذه الحلقة الا و قد ضمن لنفسه قاعدة أرضية عريضة .فكان انتزاع الشام اولا من الرومان ثم العراق من فارس ثم مصر الرومانية كفيلا بأن يمنح العرب القوة لمزيد من المواجهات مع تلك الامبراطوريات .
و هنا يأتى دور الموقع : فلا شك ان موقع الجزيرة العربية كان منطلقا استراتيجيا خطيرا , كتلة الجزيرة العربية ليست قوى بر أو بحر مطلقة, انما هى تضع قدما فى الماء و أخرى على اليابس . بمثل ما تقع بين قوى البحر جنوب اوربا غربا ..و قوى البر وسط اسيا شرقا .
كانت أرض الرافدين الفسيحة الخصبة هى (رأس الحربة) فى توسع العالم العربى فى اسيا , ولعل هذا الدور هو الذى يفسر استقطاب السلطة أو الحكم طويلا فى بغداد العباسية .
وبالمثل كانت مصر هى (رأس الجسر) فى التوسع الافريقى غربا و جنوبا.
ولعل ارتباط الدولة العربية فى البداية يتجارة الصين و الموسميات اكثر منها بالعالم الاوربى ..أى : توجيه غلبه التوجه الاسيوى على الاوربى أن يفسر اسبقية دور العراق فى المحيط العربى على مصر.
بينما قد يفسر انتقال المركز أو القطب الى مصر فى مرحلة تالية ما أصاب الجناح الشرقى من طرقات المغول و التتار وبروز العاالم الاوربى بالتدريج فى ميدان الانتاج و الحضارة ..أى غلبة التوجيه الاوربى على الاسيوى ..
أما القطاعات البحرية فقد قدمت الترسانات الملاحية للخروج الى البحر ..فالشام -مهد الفينيقيين و مدرسة البحرية- كان خشبة القفز على فلول البحرية الرومانية و البيزنطية و على جزر المتوسط ..و تلخصه معركة واحدة : ذات الصوارى , فهى سلاميس الاسلام أو اكتيوم العرب .
وكما أعطت البحرية العربية المتوسطية قاموسها الملاحى شبه كامل للغات الاوربية , كانت البحرية العربية فى الهند هى وحدها التى تملك اسراره و مفاتيحه الملاحية وهى التى اعطتها فيما بعد للقوة البحرية الاوربية (احمد بن ماجد) .
والخلاصة : أن القوة العربية الصاعدة سرعان ما تحولت الى قوى بر و بحر تجمع بين موارد الفلاحين و مرونة الملاحين ...
فهذه التجربة التاريخية الفذة اثبتت أن المنطقة ليست منطقة ضعف كامن , و أنها قادرة على أن تحقق سيادتها ..
فهى تناقض مباشرة دلالة الفترات السابقة حين كانت منطقة الشرق الاوسط مغلوبة على أمرها بين قوى البر و البحر ..
هذه التجربة اذن تأتى كمصحح و مكمل لمغزى الكيان الاستراتيجى الكامن للمنطقة فى العصور السابقة.. و اللاحقة (كما سنرى )...


عوامل الانحدار
و السؤال الان : لماذا انهارت هذه الدولة العظمى , بعد أن ظلت قائمة فى صورة أو اخرى بضعة قرون ؟..
هناك مجموعتان من العوامل : داخلية و خارجية...
داخليآ : ضخامة الدولة و فرط تراميها فى حد ذاته عالم ضعف و تفكك فى النهاية ... فمن الصعب جدا أن تمسك بمثل هذا الجسم العملاق فى قبضتك طويلا دون أن ينشطر و تتساقط منه اجزاء ...
لا سيما أن جزءا كبيرا جدا من الرقعة كان صحارى أو أشباه صحارى و أستبس أو أشباه أستبس : شبه فراغ يعوق الحركة و الاتصال و يضعف الارتباط .
و الملاحظ بعد هذا ان الدولة العربية كانت تجنح الى الافراط فى الاستطالة من الشرق الى الغرب ..الى التفريط نسبيآ فى العمق من الشمال الى الجنوب , مما عرضها -من الناحية الميكانيكية البحتة- الى التقصف و التمزق .
اضف الى هذا تنافر التركيب الجنسى فى الدولة و تعدد الاقليات و العناصر فى نسيجها السياسى ...فرغم أن الدولة كانت وحيدة اللغة عمليا , فقد كانت خغرافيآ دولة عديدة النوايا .
و من هنا تعرضت الدولة لسلسلة متصلة من الحركات الانفصالية و التفكك .. فتعددت الخلافات و أستقلت الولايات و أنكمش نفوذ الدولة المركزية .
و قد أتى على الدولة العربية حين من الدهر تقاسمتها ثلاث أو اربع خلافات : العباسية فى العراق , والفاطمية فى مصر ,والأندلس فى اسبانيا .. الخ ....وكل منها يتخذ نفسه كنواة منطقة زراعية غنية , بينما كانت الفراغات الصحراوية هى التخوم الفاصلة بينها .
وفوق هذا و ذاك جميعا , هناك نقط ضعف اصيلة فى كيان الدولة . فبحكم بيئتها الصحراوية و شبه الصحراوية , كان عدد السكان فيها محدودا فى النهاية ... بل منذ البداية الباكرة اضطرت الدولة الناشئة الى أن تترك مهدها فى صحراء الجزيرة و أن تبنى لنفسها قاعدة حقيقية فى الهلال الخصيب - أساس لهذا العامل الحاسم : ضعف القوة البشرية .
أما العوامل الخارجية : التى عملت على تعرية الدولة و تحللها , فتعود بنا مرة اخرى الى موقعها الاستراتيجى البينى بين قوى البر البحر ... القوى الغربية فى جنوب و غرب اوربا ..و القوى البرية من أواسط آسيا ...
وهى استراتيجية الكماشة أو الرحى- وهى عامل خطير فى تضعضع ثم سقوط الدولة الاسلامية الكبرى .

Next
This is the most recent post.
رسالة أقدم

0 comments:

إرسال تعليق

Copyright © حديث السندباد القديم All Right Reserved
Designed by Harman Singh Hira @ Open w3.