Advertisements

الأربعاء، 8 يونيو 2011

الثورة الإسلامية في إيران

الثورة الإسلامية في إيران، هي ثورة نشبت سنة 1979 وحولت إيران من نظام ملكي، تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي، لتصبح جمهورية إسلامية عن طريق الاستفتاء. آية الله أو الإمام، كما هو معروف في إيران، روح الله الخميني يعد مؤسس "الجمهورية الإسلامية الإيرانية". وحاول العمل على مد الثورة أو ما سُمي تصدير الثورة إلى المناطق المجاورة، ويرى البعض أن قيام الحرب العراقية الإيرانية كانت من نتائج تلك السياسة، وكذلك الحرب الأهلية الأفغانية.

الثورة الإيرانية



جانب من مظاهرات الثورة بطهران

ثورة فريدة من نوعها باعتبارها مفاجأة على مسرح الأحداث الدولية، وذلك من حيث السرعة التي حدث بها التغيير العميق، وكذلك الدور القيادي للدين فيه، كما أنه كان يعتقد أن النظام محمي كما يجب من قبل الجيش والأجهزة الأمنية التي أنفق النظام عليها ميزانيات ضخمة، إضافة إلى انعدام الأسباب الاعتيادية المعروفة للثورة، كالأزمات المالية، أو الهزائم العسكرية، أو عصيان الفلاحين، أو التمرد العسكري.

كانت نتيجة ذلك الحدث نشوء جمهورية إسلامية بقيادة عالم دين منفي يبلغ من العمر ثمانين عاماً، مدعوماً من مظاهرات متقطعة لكن شعبية، كما تؤكد التقارير.

الثورة تنقسم إلى مرحلتين: المرحلة الأولى دامت تقريبا من منتصف 1977 إلى منتصف 1979، وشهدت تحالفاً ما بين الليبراليين واليساريين والجماعات الدينية لإسقاط الشاه. المرحلة الثانية، غالباً ماتسمى "الثورة الخمينية"، شهدت بروز آية الله الخميني وتعزيز السلطة والقمع وتطهير زعماء الجماعات المعارضة للسلطة الدينية (بما فيها الثورة الثقافية الخمينية في الجامعات الإيرانية).

أسباب الثورة


تضم التفسيرات المقدمة على نشوب تلك الثورة بعضاً من الإجراءات التي اتخذها الشاه، باعتبارها أسباباً ، إضافة إلى نجاحات وإخفاقات تعرضت لها مختلف القوى السياسية:

"أخطاء" الشاه


  • سياسة التغريب القوية التي انتهجها الشاه على الرغم من تعارضها مع الثقافة الخمينية للشيعة، وعلاقاته الوطيدة مع إسرائيل واعتماده على القوى الغربية (الولايات المتحدة)، إضافة إلى الإسراف والفساد والنخبوية (الحقيقية والمفترضة) في سياسات الشاه وديوانه الملكي، وفشله في استقطاب المتعاطفين والأتباع من القيادات الدينية الشيعية لمقارعة الحملة الخمينية ضده.

  • تركيز الحكومة على مراقبة وقمع مجاهدي حركة مجاهدي خلق وباقي أطياف المعارضة اليسارية الإيرانية، بينما راحت المعارضة الدينية الأكثر شعبية تنتظم حتى قوضت تدريجياً نظام الشاه.

  • انتهاك الدستور الإيراني الذي وضع سنة 1906، بما في ذلك قمع المعارضة من خلال جهاز الأمن (السافاك)، ولم تكن المهادنة والظهور في موقف الضعف من مصلحته عندما لجأ إليها في الوقت الذي كسبت فيه الثورة زخماً متزايداً.

  • البرنامج الاقتصادي الطموح عام 1974 لم يواكب الطموحات التي أثارتها عائدات النفط، إضافة إلى تكريسه سياسة احتكار الحزب الواحد، وتزايد حدة التضخم، ثم انتشار الأسواق السوداء.

  • سوء تقدير سياسة التقشف التي أغضبت الباعة والناس.

  • سوء تقدير قوة المعارضة.

  • طبيعة حكومة الشاه، التي منعت بروز أي منافس ذو كفاءة يمكن أن يقود الحكومة، مما أدى إلى ضعف فعالية الحكومة وتدني مستوى الإنتاج، الأمر الذي ساهم بدوره في زرع الخلافات والانقسامات داخل الجيش وبين النخب السياسية، ومن ثم غياب الدعم عن النظام وعدم توفر حلفاء فقد غادر هؤلاء مع أموالهم مع بداية الثورة.

نجاحات وإخفاقات تعرضت لها القوى السياسية الأخرى


  • فطنةالخميني في كسب تأييد هؤلاء عندما احتاج إلى قلب نظام الشاه من جهة، وتجنبه قضايا مثل (ولاية الفقيه) التي كان يعتزم تنفيذها، لمعرفته بأنها ستطيح بدعم تلك الفئات.

  • الثقة بالنفس وهيبة الخميني والكاريزما التي تمتع بها، الأمر الذي ساعده على أن يأسر خيال الجماهير ليعتبر أنه المنقذ، أو المخلص.

  • سياسات الحكومة الأمريكية، فقد ساعدت على تحويل الشاه بشكل جعله يبدو كما لو أنه "دمية" في يد أمريكا، علماً أن لهم في ذلك سجل حافل، فأمريكا هي التي تكفلت بقلب حكومة محمد مصدق الديمقراطية والمعادية للغرب. وهي في الوقت نفسه التي دفعت الشاه جراء ضغوطها المستمرة ليقوم بإطلاق مشروع التغريب الذي كان من أسباب انطلاق الثورة، وأخيراً فقد تسبب الفشل الأمريكي في قراءة السطور الأولى لتلك الثورة.

الطريق للثورة


وصل الشاه محمد رضا بهلوى إلى السلطة سنة 1941 بعد عزل والده، رضا شاه، من قبل غزو تحالف القوات البريطانية والسوفياتية سنة 1941. رضا شاه رجل عسكري، معروف بتصميمه على تحديث إيران وعداؤه لطبقة المتدينين (العلماء). أمسك محمد رضا بهلوي بالسلطة حتى ثورة 1979 مع انقطاع قصير في سنة 1953؛ حين تعرض لمحاولة ثورة. في تلك السنة فر من البلاد لفترة وجيزة بعد صراع على السلطة نشأ بينه وبين رئيس وزرائه محمد مصدق الذي قاد حملة لتأميم حقول النفط في البلد وسيطر على القوات المسلحة. وتم عبر انقلاب العسكري رعته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والاستخبارات السرية في عملية سرية أطلق عليها اسم عملية آجاكس، الإطاحة بحكومة محمد مصدق واعتقاله وإعادة الشاه إلى العرش.

مثل والده الشاه البهلوي رغب في تحديث وتغريب البلاد، فاحتفظ بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية، وكثيرا ما أشاد الزعماء الأميركيون به وبسياسته وصموده المعارض للشيوعية. المعارضة لحكومته جاءت من اليساريين والقوميين والجماعات الدينية التي انتقدته لانتهاك الدستور الإيراني، والفساد السياسي، ووحشية القمع السياسي بالبوليس السري سافاك. وكانت لرجال الدين أهمية كبيرة بالنسبة للمعارضة، وهم الذين أثبتوا أهميتهم فيما سبق إبان مظاهرات التبغ التي تحركت ضد عقد احتكاري منحه الشاه ناصر الدين سنة 1891 لشركة بريطانية، والآن أيضاً بدا للفقهاء ورجال الدين أثر كبير على الإيرانيين، خاصة الفئات الفقيرة منهم، الذين عادة مايكونون الأشد تديناً، وتقليدية، وإقصاءً عن أي عملية تغريب.

الخميني



الخميني

ظهرت شخصية زعيم الثورة الإيرانية أول مرة أوائل عام 1963 لقيادة المعارضة التي تحركت ضد برنامج الإصلاحات الذي أعلنه الشاه والمعروف باسم "الثورة البيضاء"، التي شملت إعطاء حق التصويت والإقتراع للنساء، وتغيير قوانين الانتخابات التي أتاحت انتخاب ممثلين للأقليات الدينية للبرلمان وإجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، الذي يمنح المرأة المساواة القانونية في الزواج، وتوزيع ممتلكات بعض رجال الدين الشيعة. في العام التالي نشبت أعمال شغب بعد أن اعتقل الخميني ثلاثة أيام على أثر تصريحه بأن الشاه "رجل بائس سيء"، وقد واجهت الشرطة أعمال الشغب تلك مستخدمة القوة المفرطة، (أعلنت تقارير الحكومة سقوط 86 قتيلا، فيما ادعت المعارضة أن الرقم يصل إلى الآلاف. التقارير التي أعدت بعد قيام الثورة أشارت إلى أن أكثر من 380 لقوا مصرعهم على يد الشرطة. وضع الخميني تحت الإقامة الجبرية لمدة 8 شهور ثم أفرج عنه، وتابع التحرك ضد الشاه بخصوص علاقته مع إسرائيل، وخصوصا "تنازلات" الشاه لتمديد الحصانة الدبلوماسية لعسكريين أميركيين. أعيد اعتقال الخميني في تشرين الثاني/نوفمبر 1964 وأرسل إلى المنفى وبقي فيه لمدة 14 عاما حتى قيام الثورة.

تبعت ذلك فترة من "الهدوء الساخط"، قام فيها البوليس السرى سافاك بقمع المعارضة، ولكن بوادر الصحوة الخمينية بدأت بتقويض فكرة التغريب التي ينتهجها نظام الشاه فظهر جلال آل أحمد الذي وصف نهج التغريب بـ((غرب زدجي)) أي (طاعون الحضارة الغربية) وعلي شريعتي، وكذلك تفسير مرتضى مطهري التبسيطي للتشيع، كل ذلك حاز على أتباع ومريدين وقراء والمؤيدين. ويبرز بين هذه القيادات الخميني الذي طور ونمى وروج لنظرية مفادها "أن الإسلام يتطلب حكومة إسلامية يتزعمها ولي فقيه"، أي كبار فقهاء القانون الإسلامي. في سلسلة محاضرات في أوائل سنة 1970، صدرت فيما بعد في كتاب، بين الخميني المذهب الشيعي يتطلب الإنصياع لقوانين الشريعة وحدها، وفي سبيل ذلك، لايكفي أن يقود الفقهاء جماعة المسلمين، بل عليهم أن يقودوا الحكومة أيضاً. لم يتحدث الخميني عن هذه المفاهيم في اللقاءات والمحادثات مع الغرباء، لكن الكتاب انتشر على نطاق واسع في الأوساط الدينية، خاصة بين طلاب الخميني والملالي، وصغار رجال الأعمال، وراح هذا الفريق يطور ماسيصبح شبكة قوية وفعالة من المعارضة داخل إيران، مستخدمة خطب المساجد، وتهريب شرائط تسجيلات صوتية للخميني وطرق أخرى، أضافت إلى قوة المعارضة الدينية، في حين ظنت بقية المعتدلين واليساريين والميليشيات المسلحة الأخرى أن الستار سيسدل بعد الثورة وسقوط الشاه على الخميني وأعوانه وأن هذا التيار اليساري سيسطر على الساحة، ولكن الخميني لم يعطهم الفرصة وسيطر على الحكم.

الأوضاع قبل الثورة


في أكتوبر سنة 1971 حلت ذكرى مرور 2500 عام على إنشاء الإمبراطورية الفارسية، وقد دعيت شخصيات أجنبية وعربيه للحفل الذي استغرق ثلاثة أيام مليئة بالتبذير المفرط، قدم فيها أكثر من طن من الكافيار، وجلب 200 طاه من فرنسا لإعداد الولائم. بلغت التكاليف الرسمية للحفل 40 مليون دولار، لكن تقديرات أخرى تشير إلى أن المبلغ تراوح ما بين 100 - 120 مليون دولار، في وقت رزحت فيه ولايات ومحافظات بلوشستان وسيستان وحتى فارس، وهي المناطق التي أجريت فيها الإحتفالات، تحت وطأة جفاف وقحط وفقر.

وفي أواخر سنة 1974 وبدل أن تعمل الطفرة النفطية على إنتاج "حضارة عظيمة" كما وعد الشاه، فقد دقت جرس التضخم والهدر و"الفجوة المتسارعة" بين الأغنياء والفقراء، والريف والمدينة.

بات القوميون الإيرانيون غاضبين من عشرات آلاف العمال الأجانب المهرة الذين جاؤوا إلى إيران لتشغيل المعدات العسكرية الأمريكية باهظة التكاليف، والتي لم تحظ بدعم أو قبول شعبي، والتي أنفق الشاه مئات الملايين من الدولارات.

في العام التالي أسس الشاه حزباً جديداً سماه "رستاخيز" (أي البعث أو النهضة)، لم يكن "رستاخيز" الحزب الوحيد الذي يمكن للإيرانين الإنتساب إليه فحسب، بل كان لزاماً على كل إيراني بالغ أن ينتسب إليه، ويدفع رسومه. المحاولات التي بذلها هذا الحزب لاتخاذ موقف شعبي لصالح حملات "مكافحة الاستغلال" لم تكن ذات ضرر اقتصادي فحسب، لكنها أتت بنتائج سياسية عكسية أيضاً، فظهرت السوق السوداء عوض التضخم وتراجع النشاط التجاري، وغضب التجار وفرت رؤوس الأموال.

في سنة 1976، أثارت حكومة الشاه غضب "تقاة المسلمين" الإيرانيين بتغيير بداية السنة الإيرانية، من سنة الهجرة النبوية إلى سنة اعتلاء سايروس العرش الفارسي، إيران قفزت بين ليلة وضحاها من سنة 1395 للهجرة إلى سنة 2535 الملكية، وفي السنة نفسها أعلن الشاه التقشف الاقتصادي بهدف كبح التضخم والهدر، البطالة الناجمة عن ذلك أثرت سلباً على آلاف المهاجرين إلى المدن، وهم ضعاف وغير مؤهلين لأي حرفة أو صنعة.

في سنة 1977، دخل رئيس أمريكي جديد إلى البيت الأبيض، كانت الأمال تحدو جيمي كارتر لتغيير صورة الولايات المتحدة المرتبط بحرب فيتنام، وتغيير السياسة الخارجية، فأنشأ مكتباً خاصاً لحقوق الإنسان، وجه "مذكرة مؤدبة" إلى الشاه بينت فيها أهمية الحقوق السياسية والحريات. واستجاب الشاه بالعفو عن 357 سجيناً سياسياً في فبراير، وسمح للصليب الأحمر بزياره السجون، في مسعى للبدء بطور من التحرر. ما بين أواخر الربيع مروراً بالصيف وإلى بدايات خريف ذلك العام أسست المعارضة الليبرالية منظمات أصدرت من خلالها رسائل مفتوحة تدين فيها النظام. وفي وقت لاحق من ذلك العام التقت مجموعة معارضة (رابطة الكتاب) دون أن تقوم الشرطة بتفريقها كما جرت العادة.

في تلك السنة توفي المفكر علي شريعتي (تشير بعض المزاعم أنه تعرض للتصفية على يد الشرطة السرية السافاك) مما أزال أي منافس محتمل لثورة الخميني.

وفي أكتوبر توفي مصطفى ابن الخميني، وفي حين يعتقد أن الوفاة نجمت عن أزمة قلبية، إلا أن المجموعات المعارضة للشاه ألقت بالمسؤولية على السافاك، وأتهمتهم بتسميم مصطفى واعتبر "شهيداً"، صلاة الجنازة على روحه في طهران عادت بالخميني إلى دائرة الضوء، وبدأت صيرورة تحول عبرها الخميني إلى قائد المعارضة المناوئة للشاه.

الإحتجاج


أتت أولى مظاهر المعارضة من الطبقة الوسطى في المدن، وهم فئة من السكان كانواً من العلمانيين نسبياً وأرادوا بناء ملكية دستورية وليس جمهورية إسلامية، ومن أبرز هؤلاء مهدي باذرخان من "حركة تحرير إيران"، وهي حركة ليبرالية إسلامية معتدلة كانت وثيقة الصلة بالجبهة الوطنية التابعة لمحمد مصدق، وقت لاقت هذه المجموعة دعماً كبيراً في إيران ومن الغرب.

انقسم رجال الدين وتحالف بعضهم مع الليبراليين العلمانيين وآخرون مع الماركسيين والشيوعيين، الخميني الذي كان منفياً في العراق، عمل على أن تتوحد المعارضة الدينية والعلمانية والليبرالية والأصولية تحت قيادته، وذلك عبر تجنب الخوض في التفاصيل، على الأقل علنا، فتلك قد تفرق بين الفصائل.

عملت مختلف المجموعات المناهضة من الخارج، في الأغلب من لندن وباريس والعراق وتركيا. خطابات قادة هذه الجماعات سجلت على أشرطة تسجيل ليتم تهريبها إلى إيران ليستمع إليها الكثيرون من الأميين من السكان.

كانت الجماعات الإسلامية أول من نجح في حشد المناصرين ضد الشاه. في كانون الثاني/يناير 1978 أوردت الصحافة الرسمية قصة تشهير هاجمت فيها الخميني، وخرجت جموع غاضبة من الطلاب والزعماء الدينيين احتجاجا على تلك الإدعاءات في مدينة قم، وأرسل الجيش لتفريق المتظاهرين مما أدى لمقتل بعضهم، يزعم البعض أن عدد القتلى تجاوز 70 طالباً.

وفقا للعادات الشيعية يجرى حفل تأبين في ذكرى مرور أربعين يوماً من وفاة شخص ما، وأطلقت المساجد في كل البلاد الدعوى للمشاركة في تكريم الطلاب القتلى، واستجابت عدة مدن للنداء وسارت المظاهرات تكريماً للقتلى واحتجاجاً على حكم الشاه، هذه المرة وقعت أعمال عنف في تبريز، وقتل المئات من المتظاهرين، وتكررت الحلقة مرة أخرى في 29 آذار/مارس، حيث وقعت جولة جديدة من الإحتجاج في سائر البلاد، وهوجمت الفنادق الفارهة ودور السينما والبنوك والمكاتب الحكوميه ومدارس البنات وغيرها من رموز نظام الشاه، وتدخلت قوات الأمن مرة أخرى، وقتل الكثيرون، وتكرر الأمر نفسه في العاشر من مايو/أيار.

في مايو/أيار، اقتحمت فرق الشركة منزل رجل دين سياسي وقيادي معتدل يدعى كاظم شريعتمداري، وأردت أحد أتباعه قتيلاً بالرصاص أمام ناظريه، على إثر ذلك تخلى شريعتمداري عن صمته وانضم إلى المعارضة. حاول الشاه إرضاء المتظاهرين عبر تخفيف نسب التضخم، وتوجه بالمبادرات إلى بعض رجال الدين المعتدلين، وعزل رئيس السافاك، ووعد بإجراء انتخابات حرة في شهر يونيو اللاحق، ولكن العمل على خفض التضخم عن طريق تقليل النفقات تسبب في ارتفاع نسبة البطالة، خصوصاً في صفوف الشباب غير المؤهلين للعمل كما يجب والذين يعيشون في أحياء فقيره في المدن.

في صيف سنة 1978، خرج هؤلاء العمال الذين ينحدرون في الغالب من أصول ريفية تقليدية إلى الشوارع في أعداد حاشدة، في حين أعلن عمال آخرون الإضراب. هكذا ومع حلول نوفمبر/تشرين الثاني كان الاقتصاد قد أصيب باللشلل جراء الإضرابات.

الولايات المتحدة



خلال عام 1977 التقى شاه إيران مع كل من ألفريد أثيرتون، ووليم سوليفان، وسايروس فانس، والرئيس كارتر، وزبيغنيو برزيزينسكي، ففي مواجهة هذه الثورة سعى الشاه وراء مساعدة من الولايات المتحدة. فقد احتلت إيران موقعاً استراتيجياً في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، فهي موالية لأمريكا وتتقاسم حدوداً طويلة مع عدوها في الحرب الباردة الإتحاد السوفياتي، وهي أكبر دولة نفطية قوية في الخليج العربي، لكن النظام البهلوي حظي بدعاية سلبية لسجله السيء في مجال حقوق الإنسان.

السفير الأمريكي في إيران، ويليام سوليفان يقول بأن مستشار الأمن القومي الأمريكي السيد زبيغنيو برزيزينسكي "أكد للشاه مراراً وتكراراً أن الولايات المتحدة تدعمه بالكامل". لكن الرئيس كارتر فشل في الإلتزام بتلك الوعود والتأكيدات. في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 1978، اتصل برزيزينسكي بالشاه ليبلغه بأن الولايات المتحدة "ستدعمه حتى النهاية"، وفي الوقت نفسه، قرر بعض المسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الخارجية أن الشاه يجب أن يذهب بغض النظر عمن سيحل مكانه.

واستمر برزيزينسكي والوزير جيمس شليزنغر في التعهد للشاه بأن الولايات المتحدة ستسانده عسكرياً. حتى في آخر أيام الثورة، عندما كان الشاه يعتبر هالكاً لامحالة مهما كانت نتائج الثورة، استمر برزيزينسكي في الدفاع عن خطة التدخل العسكري الأمريكي لإعادة الاستقرار الإيراني. الرئيس كارتر لم يحسم كيفية استعمال القوة بشكل مناسب، وعارض قيام الولايات المتحدة بانقلاب وأمر حاملة الطائرات يو أس أس كونستوليشن بالتوجه إلى المحيط الهندي لكنه سرعان ما ألغى أمره، تم التخطيط لصفقة مع جنرالات إيران لتحويل الدعم لصالح حكومة معتدلة، لكن هذه الخطة انهارت مع اجتياح الخميني وأتباعه البلاد، وتوليهم السلطة في 12 شباط/فبراير 1979.

الإطاحة بنظام الشاه


استمر العنف ليحصد أكثر من 400 شخص قضوا في حريق سينما ريكس، وهو حريق متعمد وقع في آب/أغسطس في عبدان، ورغم أن دور العرض السينمائي كانت هدفاً مستمراً للمتظاهرين الإسلاميين فقد بلغ انعدام ثقة الجماهير بالنظام، وبلغت فعالية المعارضة في العمل والتواصل حداً جعل الجماهير ترى أن السافاك كان وراء الحادث في محاولة منه لتطويق المعارضة. في اليوم التالي تجمع 10.000 من أقارب القتلى والمتعاطفين لتشييع جماعي حاشد ومظاهرة تنادي (ليحترق الشاه) و(الشاه هو المذنب).

مع حلول سبتمبر، كانت البلاد مزعزعة على نحو شديد، وتحولت المظاهرات الحاشدة إلى أحداث منتظمة، فرض الشاه الأحكام العرفية، وحظرت كل التظاهرات. وفي يوم الجمعة 8 سبتمبر 1978، خرجت مظاهرة حاشدة للغاية في طهران، إنها المظاهرة التي حولت ذلك اليوم إلى ما بات يعرف اليوم باسم الجمعة الأسود.

نشر قادة الثورة شائعات مفادها أن "الجنود الصهاينة يقتلون الآلاف"، بينما كانت القوات التي أطلقت النار في الواقع تابعة لميليشيات الأكراد، وقد بينت التحقيقات بعد الثورة أن عدد القتلى كان صغير نسبياً (87)، ولكن في ذلك الوقت ظهرت الحكومة بصورة الحكومة الوحشية أبعدت عنها الكثيرين من الإيرانيين والحلفاء في الخارج. أدى إضراب عام في تشرين الأول/أكتوبر إلى شل الاقتصاد والصناعات الحيوية التي أغلقت أبوابها و"حسمت مصير الشاه".

بلغت الإحتجاجات ذروتها في كانون الأول/ديسمبر 1978، خلال شهر محرم أحد أهم الشهور لدى المسلمين الشيعة. وفي 12 كانون الأول/ديسمبر خرج إلى شوارع طهران نحو مليوني شخص ملئوا ساحة أزادي (شاهياد) مطالبين بإزالة الشاه وعودة الخميني.

في 16 كانون الثاني/يناير 1979 غادر الشاه والملكة إيران نزولاً عند طلب رئيس الوزراء الدكتور شابور بختيار، الذي كان لفترة طويلة زعيم المعارضة، وظهرت مشاهد الإبتهاج العفوي، ودمرت خلال ساعات "كل رموز سلالة بهلوي"، وأعلن بختيار حل البوليس السرى (سافاك)، وأفرج عن السجناء السياسيين، ووعد بانتخابات حرة وأمر الجيش بالسماح للمظاهرات الشعبية. وبعد عدة أيام من التوقف سمح بعودة الخميني إلى إيران وطلب إليه تأسيس دولة مثل الفاتيكان في قم، ودعا المعارضة للمساعدة على الحفاظ على الدستور.


عودة الخميني لإيران

في 1 شباط/فبراير 1979، عاد الخميني إلى طهران محاطاً بحماس وتحية عدة ملايين من الإيرانيين، إنه بدون جدال قائد الثورة، وأصبح بالنسبة للبعض شخصاً "شبه مقدس". استقبلته لدى ترجله من الطائرة الجموع الحاشدة بتحية: "السلام عليكم أيها الإمام الخميني". أوضح الخميني في كلمة ألقاها في اليوم نفسه شدة رفضه لنظام رئيس الوزراء بختيار، ووعد "سوف أركل أسنانهم لقلعها"، وعين منافسه مهدي باذرخان مؤقتاً رئيساً للوزراء، وقال: "بما أنني قد عينته، فيجب أن يطاع"، واعتبر أنها "حكومة الله" وحذر من عصيانها، فأي عصيان لها "عصيان لله"، وفيما راحت حركة الخميني تكتسب مزيداً من الزخم، بدأ الجنود بالإنضواء في جانبه، اندلع القتال بين الجنود الموالين والمعارضين للخميني بإعلانه الجهاد على الجنود الذين لم يسلموا أنفسهم، الإنهيار النهائي للحكومة غير الخمينية حصل في في 11 شباط/فبراير عندما أعلن المجلس العسكري الأعلى نفسه "محايداً في النزاعات السياسية الراهنة، لمنع المزيد من الفوضى وإراقة الدماء".

الخميني يتسلم السلطة


الخميني كان زعيم المعارضة للشاه.

كانت المرحلة الثانية من الثورة مرحلة إسلامية الطابع، وبعد انتصارها الآن هناك ابتهاج كبير في إيران جراء سقوط الشاه، لكن الصمغ الذي أبقى مختلف التيارات الثورية الدينية والليبرالية والعلمانية والماركسية والشيوعية التي عارضت الشاه فقد مفعوله.

مجموعات كثيرة تتنافس كلها على السلطة ولدى كل منها تفسيرات مختلفة لأهداف الثورة:

  • إنهاء الاستبداد.
  • مزيد من الإسلام.
  • الحد من التأثير الغربي الأمريكي.
  • مزيد من العدالة الاجتماعية.
  • الحد من اللامساواة.

والبقاء كان للأقوى، الخميني وأنصاره. كان الخميني آنذاك في نهاية العقد الثامن من عمره، السابعة والسبعين تقريباً، ولم يتسلم أي منصب رسمي قط، وكان منفياً خارج إيران لقرابة 14 عاماً، وسبق له أن قال لبعض من سألوه عبارات من قبيل: "المرشدون الدينيون لايرغبون بالحكم". كل هذا ولد انطباعا لدى الكثيرين مفاده أنه يرغب بأن يكون المرشد الروحي صاحب سلطة، لكنه بمهارة اختار التوقيت المناسب لإزالة كل أعداءه وحلفائه الذين باتوا عقبة أمامه وأن يطبق نظام ولاية الفقيه في جمهورية إسلامية يقودها بنفسه.

في السنة الأولى للثورة كان هناك مركزان للسلطة: الحكومة الرسمية والمنظمات الثورية، رئيس الوزراء مهدي باذركان الذي عينه الخميني، عمل على إنشاء حكومة إصلاحية ديمقراطية، في حين عملت بشكل مستقل كل من المجلس الثوري المكون من الخميني وأتباعه من رجال الدين، والحرس الثوري، والمحكمة الثورية، والخلايا الثورية المحلية التي تحولت إلى لجان محلية. وفي حين راح رئيس الحكومة (المؤقتة) باذرخان يطمئن الطبقة الوسطى، بات من الواضح أن سلطة اتخاذ القرارات النهائية هو في الهيئات الثورية وفي المجلس الثوري على وجه الخصوص، وفيما بعد الحزب الثوري الإسلامي. ازداد التوتر بين السلطتين بدون شك، رغم أن كلتيهما وضعت وأقرت من قبل الخميني.

في يونيو، أعلنت حركة الحرية مشروع الدستور، وأشارت إلى إيران باعتبارها جمهورية خمينية، يتضمن مجلس صيانة يتمتع بحق نقض التشريعات المتعارضة مع الإسلام، لكن دون وصي فقيه حاكم، أرسل الدستور إلى "مجلس الخبراء" المنتخب حديثاُ ليعرض أمام أعضاءه الذين حاز حلفاء الخميني على الغالبية بينهم، رغم أن الخميني كان قد أعلن بأن الدستور "صحيح" إلا أنه هو والمجلس أعلنوا رفضهم له، وصرح الخميني بأن الحكومة الجديدة يجب أن تكون قائمة "بنسبة 100 ٪ على المذهب الشيعي".

وضعه مجلس الخبراء دستورا جديدا أوجد من خلاله منصب القائد الأعلى للخميني، ومنحه السيطرة على الجيش والأجهزه الأمنية، والحق في نقض المرشحين للمناصب، كما أقر الدستور بانتخاب رئيس جديد يتمتع بصلاحية أضيق، لكن المرشحين يجب أن يحوزوا على الموافقة المباشرة من القائد الأعلى (عبر مجلس صيانة الدستور)، وقد أصبح الخميني نفسه رئيسا للدولة مدى الحياة باعتباره "قائد الثورة"، وعندما تمت الموافقة على الدستور في استفتاء أجري في كانون الأول/ديسمبر 1979 أصبح "المرشد الروحي الأعلى"، وتقدم رئيس الوزراء في تشرين الثاني/نوفمر إثر شعوره بالضعف وخلافه مع ما آلت إليه باستقالته.

معارضة الثورة الإيرانية


بادرت قيادة الثورة في البداية إلى إعدام كبار الجنرالات، وبعد شهرين أعدم أكثر من 200 من كبار مسؤولي الشاه المدنيين بهدف إزالة خطر أي انقلاب، وأجرى قضاة الثورة من أمثال القاضي الشرعي صادق الخلخالي محاكمات موجزة افتقرت إلى وكلاء للدفاع أو محلفين أو إلى الشفافية، ولم تمنح المتهمين الفرصة للدفاع عن أنفسهم، ومن بين الذين أعدموا بدون محاكمة (عملياً) أمير عباس هوفيدا، رئيس الوزراء السابق لإيران، أما الذين هربوا من إيران فليسوا محصنين، فبعد مرور عقد اغتيل في باريس رئيس الوزراء الأسبق شابور بختيار، وهو واحد من ما لايقل عن 63 إيرانيا قتلوا أو جرحوا منذ الإطاحة بالشاه.

من أوائل شهر مارس استشعر الديمقراطيون بخيبات الأمل المنتظرة عندما أعلن الخميني "لاتستخدموا هذا المصطلح (الديموقراطية)، إنها مفهوم غربي". في منتصف شهر آب/أغسطس تم إغلاق عشرات الصحف والمجلات المعارضة لفكرة الحكومة الخمينية، استنكر الخميني غاضبا الإحتجاجات ضد إغلاق الصحافة، وقال "كنا نظن أننا نتعامل مع بشر، من الواضح أن الأمر ليس كذلك". بعد نصف سنة بدأ قمع المعارضة الخمينية المعتدله المتمثلة في حزب الشعب الجمهوري، واضطهد العديد من كبارها، ورموزها منهم شريعتمداري الذي وضع تحت الاقامة الجبرية. وفي آذار/مارس 1980 بدأت "الثورة الثقافية"، أغلقت الجامعات التي اعتبرت معاقل لليسار مدة سنتين لتنقيتها من معارضي النظام الديني. في تموز/يوليو فصلت الدولة البيروقراطيه 20.000 من المعلمين و 8.000 تقريبا من الضباط باعتبارهم "متغربين" أكثر ممايجب.

استخدم الخميني أحيانا أسلوب التكفير للتخلص مع معارضيه، وعندما دعا قادة حزب الجبهة الوطنية إلى التظاهر في منتصف عام 1981 ضد القصاص، هددهم الخميني بالإعدام بتهمة الردة "إذا لم يتوبوا".

منظمة مجاهدي خلق هي واحدة من المنظمات المعارضة للحكم الثيوقراطي الديني في إيران، وخلافا لمعظم أطراف المعارضة في إيران اعتمدت منظمة مجاهدي خلق الكفاح المسلح. في شباط/فبراير 1980 هاجم رجال مجموعة حزب الله مراكز اجتماعيه ومكتبات ومنابر مجاهدي خلق وعدد من اليساريين الذين يديرون النشاط اليساري في الخفاء. نفذت منظمة مجاهدي خلق مجموعة من التفجيرات والإغتيالات أدت إلى مقتل نحو 70 شخص في مراكز الحزب الإسلامي الجمهوري في يونيو/حزيران 1981، واغتيل في العام ذاته كل من الرئيس محمد علي رجائي ورئيس الوزراء محمد جواد باهونار.

العلاقات الغربية الأمريكية مع إيران


في تشرين الأول/أكتوبر 1979 استقبلت الولايات المتحدة الشاه لعلاج السرطان، كانت هناك ضجه كبرى في إيران من جماعة الخميني والجماعات اليسارية تطالب الشاه بالعودة إلى إيران للمحاكمة والإعدام. شباب من أنصار الإمام الخميني اقتحموا السفارة الأمريكية واحتجزوا عشرات الرهائن داخلها في ما أصبح يعرف باسم أزمة الرهائن في إيران. في أمريكا أنصار الشاه لاحظوا أن كارتر لم يقم بما يكفي لدعم الشاه مما تسبب بتحول إيران من حليف إلى عدو ومن ثم وقوع أزمة الرهائن. اعتبر البعض أن دعم الخميني لعملية احتجاز الرهائن كانت مناورة سياسية ذكية هدفها تقسيم مواقف المعارضة ضد الدستور الجديد الذين كان سيتم الاستفتاء حوله بعد شهر، الليبراليون المعارضون للحكم الديني عبروا عن رفضهم لحكم رجال الدين وكذلك لعملية احتجاز الرهائن، في حين أن المنظمات اليسارية وضعت خلافها مع الدستور الجديد جانباً وانضمت إلى الحماس المناهض للإمبريالية في مسعاها لاحتلال "عش الجواسيس".

فشلت محاولات تسليم الشاه للمحاكمة وتوفي في مصر بعد أن منح حق اللجوء فيها من قبل الرئيس المصري أنور السادات، قبل مرور سنة على احتجاز الرهائن، دون أن تؤدي وفاته إلى قطع فتيل الأزمة.

محاولة انقلابية فاشلة


في تموز/يوليو 1980، اجتمع زبيغنيو برزينسكي مستشار الأمن القومي بالحسين بن طلال ملك الأردن في عمّان لمناقشة خطط مفصلة يرعى من خلالها الرئيس العراقي صدام حسين تقديم انقلاب في إيران ضد الخميني. الحسين بن طلال الذي كان أقرب حلفاء صدام في العالم العربي، أدى دور الوسيط أثناء التخطيط، الغزو العراقي لإيران سيكون تلبية لدعوة من الضباط الإيرانيين الموالين الذين يخططون لانقلاب أو انتفاضة في 9 تموز/يوليو 1980 (في عملية أطلق عليها اسم: "نوجة"، تيمناً باسم قاعدة جوية في همذان.

تم تنظيم الضباط الإيرانين بواسطة بختيار شابور الذي فر إلى فرنسا بعد تسلم الخميني السلطة، لكنه كان يدير العمليات من بغداد والسليمانية في الوقت الذي تم في اللقاء بين زبيغنيو والحسين بن طلال، على أي حال فقد تسربت أنباء الخطة إلى الخميني عن طريق عملاء سوفييت في فرنسا وباكستان وأمريكا اللاتينية، وسرعان ماتمكن الرئيس الإيراني الحسن بني صدر من تطويق قرابة 600 من الضباط وأعدم كثيراً منهم، واضعاً نهاية حاسمة لخطة نوجة للانقلاب. قرر صدام إتمام المخطط بدون معونة الضباط الإيرانيين، فيبدأ بذلك حرباً ضروساً دامت 8 سنوات عجاف حصدت أكثر من مليون قتيل ولم تبق ولم تذر.

الأنظمة المجاورة والحرب بين إيران والعراق


أزعجت الثورة الإيرانية كل زعماء العراق والكويت والسعودية ودول الخليج عموماً، فقد كان لظهور الراديكالية الشيعية وسيطرتها على حكومة دينية ودعوتها إلى إسقاط الأنظمة الملكية واستبدالها بجمهوريات إسلامية كل ذلك كان أشبه بالكابوس بالنسبة للعرب السنة في الجوار الشيعي، فهناك أقليات شيعية في كل تلك البلاد. وضعت الجمهورية الخمينية نفسها على أنها منارة للثورة تحت شعار "لاشرق ولاغرب" (أي لانتبع نموذج الاتحاد السوفييتي ولانموذج الغرب الأمريكي الأوروبي). زعماء الثورة في إيران قدموا وطلبوا الدعم لقضايا الشعوب الإسلامية وغير الإسلامية، كمنظمة التحرير الفلسطينية، كوبا، الكفاح ضد العنصرية في جنوب أفريقيا، ودعت إلى الثورة لتغيير الظلم الاجتماعي والملكيات والتأثير الغربي، والفساد في الشرق الأوسط وباقي أنحاء العالم. في هذه الظروف غزا العراق إيران في محاولة للاستحواذ على المناطق ذات الأغلبية العربية والغنية بالنفظ في الأحواز والقضاء على الثورة في مهدها، وهكذا بدأت حرب السنوات الثمان بين العراق وإيران، واحدة من أكثر الحروب دموية وتدميراً في القرن العشرين.

ومع المقاومة الشرسة تمكن المقاتلون الإيرانيون مع حلول عام 1982 من استرجاع جميع الأراضي التي تمكن العراق من احتلالها، ساهم الغزو في توحيد الإيرانيين خلف النظام الجديد، ووضعوا خلافاتهم الكبيرة جانباً في مواجهة التهديد الخارجي، وباتت الحرب ذريعة يستخدمها النظام لقمع المجموعات المعارضة اليسارية المدعومة من السوفييت، بما في ذلك التعذيب والسجن غير القانوني.

أدرك صدام خطأه، وعرض على إيران الهدنة، ورفض الخميني، وأعلن أن الشرط الوحيد للسلام "أن النظام في بغداد لابد أن يسقط ويجب أن تحل محله جمهورية إسلامية". استمرت الحرب لمدة ست سنوات أخرى مع مئات الآلاف من الأرواح والدمار الكبير من الهجمات الجوية، ورغم أن رجال الثورة فشلوا في تصديرها إلى العراق في نهاية الأمر إلا أن الحرب كانت سبيلهم لتوطيد السيطرة على إيران.

نجح تصدير الثورة في مكان واحد، وهو لبنان، حيث أدى السخاء الإيراني في تمويل حزب الله إلى إنشاء فريق سياسي وعسكري كبير، أولا في الحرب الأهلية اللبنانية، ثم ضد الاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك، لايزال اعتماد حزب الله على إيران عسكريا وماليا شغلاً شاغلاً خصوصاً بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، بهدف القضاء على حزب الله في تموز/يوليو 2006.

عندما نشبت الحرب أول الأمر نوقشت في الإدارة الأمريكية، وأبدى البعض تخوفهم من انتصار إيران، ودعوا إلى ضرورة خسارتها للحرب، جاءه الرد يجب أن يخسر الطرفان، وهذا ماحصل.

لايمكن إلحاق اللوم على طرف محدد واحد في هذه المأساة، ورغم الدور الأمريكي في التوطئة للانقلاب والإيحاء لصدام بأنه يخوض حرباً أمريكية، بدعم عربي، فإن إصرار الخميني على سقوط نظام صدام كان مراهنة في غير محلها، تسببت في قبوله آخر الأمر التوقيع على وقف إطلاق النار بقوله "إنني أوافق وكأنني أشرب السم". التخوف الكبير من قبل الملكيات العربية في الخليج من انتقال فكر الثورة ليهدد كراسيهم ساهم في غياب المنطق وإذكاء نار الحرب واستمرارها.

تأثير ما بعد الثورة


يتفق معظم المراقبين على أن للثورة الإيرانية تراث مختلط.

دولياً ينظر إلى الثورة الإيرانية على أنها المسؤولة عن بدء حقبة الأصولية الخمينية، من حزب الله إلى تنظيم القاعدة إلى الجماعات الجهادية المتنوعة.

في إيران لقيت بعض أهداف الثورة العامة (خصوصاً القضاء على العلمانية والنفوذ الاميركي في الحكومة) نجاحات معقولة. في حين أن أهداف أخرى (مثل زيادة الحرية السياسية والمساواة الاقتصادية والإكتفاء الذاتي وتثقيف الجماهير، والنزاهة والفعالية والكفاءة في إدارة الحكومة) لم تلاق مصيراً مشابهاً.

التذمر من الاستبداد والفساد الذي انتشر في عهد الشاه وحاشيته يوجه الآن ضد "الملالي في إيران"، الخوف من البوليس السري السافاك حل محله الخوف من الحرس الثوري، على الرغم من بروز درجة من التمثيل الحكومي والانتخابات الديمقراطية في مرحلة ما بعد الثورة من حيث الهيكل السياسي، لكن البعض يتحدث عن انتهاكات لحقوق الإنسان في النظام الديني تزيد عما كان يحصل في عهد الملكية. التعذيب والسجن للمخالفين، وقتل كبار النقاد أمر شائع، بالإضافة على سوء وضع المرأة، واضطهاد الأقليات، وخاصة أتباع المذهب البهائي، الذي أعلن أنه بدعة. تم إعدام أكثر من 200 من أعضاء الطائفه البهائية وسجن آخرون في حين حرم الآلاف من فرص العمل، والمعاشات التقاعدية، والأعمال، وفرص التعليم.

لم يزدهر الاقتصاد الإيراني، الاعتماد على صادرات النفط لايزال طاغيا، دخل الفرد يتقلب مع سعر برميل النفط الذي انخفض إلى ربع ما كان عليه في عهد الشاه، وارتفعت البطالة بين السكان من الشباب.

نظام الإلتحاق بالغرب أو التأثير الغربي ما زال يصعب إزالته، فهو يرجع من خلال الموسيقى والأفلام والفضائيات، لقد ساهمت الثورة في عزل إيران عن العالم، فنفيت من العالم الرأسمالي والعالم الشيوعي على حد سواء، محاطة بالعقوبات الاقتصادية التجارية من الولايات المتحدة الأمريكية وهي عقوبات ما زالت مستمرة حتى هذا اليوم الذي تستعد في الدولتان لحلقة جديدة من المواجهات على خلفية البرنامج النووي الإيراني.

منذ الثورة تطور النظام السياسي الداخلي، منذ سنة 1997، مع مستوى مرتفع نسبياً (مقارنة بالمنطقة) من استخدام إلى الإنترنت حيث بلغ عدد مستخدمي الإنترنت نحو 7.5 مليون وهو أمر يجعل من الصعب وقف هذا التطور الداخلي المستمر من الفكر السياسي والتنظيمي، ولكن الحكومة تعمل بدأب على حجب المواقع الإلكترونية السياسية والتحاليل الإخبارية الداخلية والخارجية.
المصدر ويكيبيديا

0 comments:

إرسال تعليق

Copyright © حديث السندباد القديم All Right Reserved
Designed by Harman Singh Hira @ Open w3.