Advertisements

الاثنين، 8 نوفمبر 2010

التنظيم الاقتصادى - الملكية

الملكية

كانت التجارة أعظم مثير للعالم البدائي، لأنه لم يكن هناك مِلك، وبالتالي لم يكن هناك من نظم الحكم إلا قليل، قبل أن تدخل في حياة الناس وتجر وراءها ذيولها من أموال وأرباح، ففي المراحل الأولى من التطور الاقتصادي كانت الملكية محصورة- في الأعم الأغلب- في حدود الأشياء التي يستخدمها المالك لشخصه، وكان معنى الملكية هذا من القوة بحيث لازمت الأشياء المملوكة مالكها، فغالباً ما دفنت معه في قبره (وانطبق هذا على الزوجة نفسها)، وأما الأشياء التي لا تتعلق بشخص المالك فلم تكن الملكية مفهومة بالنسبة إليها مثل هذا الفهم القوي، فلا يكفي أن نقول إن فكرة الملكية ليست فطرية في الإنسان، إنما يجب أن تضيف إلى ذلك أنها في مثل هذه الأشياء البعيدة عن شخصية المالك، كانت من الضعف في أذهان الناس بحيث تحتاج إلى تقوية مستمرة وتلقين مستمر.

فتكاد تجد الأرض في كل الشعوب البدائية ملكا للمجتمع بأسره، فالهنود في أمريكا الشمالية، وأهالي بيرو، وقبائل الهنود التي على تل تشيتاجونج، وأهل بورنيو، وسكان الجزر في البحر الجنوبي، مثل هؤلاء- فيما نرجح- كانوا يملكون الأرض جماعة ويحرثونها جماعة ويقتسمون الثمار جماعة، وفي ذلك قال هنود أوماها: "إن الأرض كالماء والهواء لا يمكن أن تباع"، وكذلك لم يكن بيع الأرض معروفا في سامُوا قبل قدوم الرجل الأبيض، ولقد وجد الأستاذ رِفرز شيوعية الأرض لا تزال قائمة في مالينزيا وبولينزيا، ويمكنك أن تلحظها اليوم قائمة في داخل ليبريا.

وأما شيوعية القوت فقد كانت أقل من ذلك انتشاراً، فمن المألوف عند "الهمج" أن من يملك طعاماً يقتسمه مع من لا يملك منه شيئاً؛ كما كان من المألوف كذلك للمسافرين إذا ما أرادوا طعاماً أن يقفوا عند أي دار يشاءون في طريقهم، بل كان من المألوف أن تستعين الجماعات التي ينزل بها القحط بجيرانها، وكان إذا ما جلس إنسان في الغابة ليأكل وجبته، توقع منه الناس أن يصيح لمن أراد أن يشاطره الطعام قبل أن يبدأ هو في تناوله، وبغير ذاك لا يكون الصواب في جانبه؛ فلما قص "تيرنر" على رجل من "ساموا" قصة فقير في لندن، سأله "الهمجي" في دهشة: "وكيف هذا؟ أليس هناك طعام؟ أليس له أصدقاء؟ أليس في المكان بيت للسكنى؟ أين إذن نشأ هذا الفقير؟ أليس لأصدقائه منازل" ؟ والجائع من الهنود ما عليه ألا أن يسأل فيجاب سؤاله بالعطاء، فمهما يكن مورد الطعام ضئيلاً عند المعطي، فأنه لابد أن يعطي منه هذا السائل ما دام محتاجا؛ "فيستحيل أن تجد إنساناً يعوزه القوت ما دامت الغلال موجودة في مكان بالمدينة" ؛ وكانت العادة عند الهوتنتوت أن يقتسم من يملك أكثر من سواه هذه الزيادة حتى يتساوى الجميع؛ وقد لاحظ الرحالة البيض أثناء رحلاتهم في إفريقية قبل أن تدخلها المدنية، لاحظوا أن "الرجل الأسود" إذا ما قدمت له هدية من طعام أو غيره من الأشياء ذوات القيمة، فإنه يقسمها بين ذويه فوراً؛ وإذا ما أعطى المسافر بدلة لأحد هؤلاء السود، فسرعان ما يرى الموهوب يلبس من الهبة جزءاً كالقبعة مثلاً، ثم يرى صديقا له يلبس السراويل وصديقا آخر يرتدي السترة، وكذلك الإسكيمو لا يرون للصائد حقا شخصيا في امتلاك صيده، بل يلزم توزيعه على أهل القرية جميعاً، وكانت الآلات والمخزون من الطعام ملكا مشاعا بين الجميع وقد وصف "كابتن كارفر" Captain Carver

هنود أمريكا الشمالية فقال "إنهم لا يعرفون من فوارق الملكية شيئا سوى الأدوات المنزلية ... وهم أسخياء بعضهم لبعض غاية السخاء، وإذا ما فاض عند أحدهم فيض ونَقص عند الآخر ما يحتاج إليه، فلابد أن يسد الأول بفيضه نقص زميله" وكذلك كتب مبشر ديني يقول: "إن ما يثير الدهشة العميقة أن تراهم يعاملون بعضهم بعضاً برقة ومجاملة قَلَّ أن تراهما عند أكثر الأمم تحضراً؛ وذلك بغير شك يرجع إلى لفظتي "ملكي" و "ملكك" اللتين قال عنهما القديس كريسوستم Chrysostom إنهما تخمدان في قلوبنا شعلة الإحسان وتشعلان نار الجشع، لا يعرفهما هؤلاء الهمج "ويقول شاهد آخر: " لقد رأيتهم يقتسمون الصيد إذا كان لديهم ما يقتسم، لكني لا أذكر مثلاً واحداً لتنازعهم أو لتوجيههم النقد لطريقة التقسيم كأن يقولوا إنه غير عادل أو غير ذلك من أوجه الاعتراض؛ إن الواحد منه ليؤثر أن يرقد على معدته الخاوية، على أن يُتَّهم بأنه أبى أن يعين المحتاج . . . إنهم يعدون أنفسهم أبناء أسرة واحدة كبيرة" .

لماذا اختفت الشيوعية البدائية حين نهض الإنسان إلى ما نطلق عليه في شيء من التحيز اسم المدنية؟ يعتقد "سمنر" Sumner أنها دلت على أنها ليست بيولوجية في اتجاهها لأنها عقبة في سبيل تنازع البقاء، وأنها لم تحفز الناس بما يكفي لتشجيعهم على الاختراع والنشاط والاقتصاد، وأن عدم مكافأتها للأقدر وعقابها لمن هو أقل قدرة سوى بين الكفايات تسوية تعاند النمو وتعارض التنافس الناجح مع سائر الجماعات، وكتب "لوسكيل" Loskiel عن بعض القبائل الهندية في الشمال الشرقي يقول: "إنهم من الكسل بحيث لا يزرعون شيئاً بأنفسهم، بل يعتمدون كل الاعتماد على احتمال أن غيرهم لن يرفض أن يقاسموه في إنتاجه؛ ولما كان النشيط لا يتمتع من ثمار الأرض بأكثر مما يتمتع الخامل، فإن إنتاجهم يقل عاما بعد عام"؛ ومن رأى دارون أن المساواة التامة بين الفويجيين تقضي على كل أمل في تحضرهم أو ربما قال الفويجيون في ذلك إن المدنية إذا ما أتتهم فإنها ستقضي على المساواة القائمة بينهم؛ نعم إن الشيوعية طمأنت هؤلاء الذين خلصوا بحياتهم من حوادث الفقر والجهل وما يترتب عليهما من مرض في المجتمع البدائي، لكنها لم تنتشلهم من ذلك الفقر انتشالا، وأما الفردية فقد جاءت بالثراء، لكنها كذلك جرَّت معها القلق والرق، نعم إن الفردية حركت في الممتازين من الرجال قواهم الكامنة، لكنها كذلك نفخت نار التنافس في الحياة فأشعلتها، وجعلت الناس يحسون الفقر إحساساً مريراً، مع أن هذا الفقر لم يكن ليؤذي أحداً حين استوى فيه الجميع .

0 comments:

إرسال تعليق

Copyright © حديث السندباد القديم All Right Reserved
Designed by Harman Singh Hira @ Open w3.