العناصر السياسية للحضارة - 2 - القبيلة - العشيرة
كانت القبيلة أول صورة للنظام الاجتماعي الدائم - ونقصد بالقبيلة جماعة من أسرات ترتبط بأواصر القربى، وتشغل بقعة من الأرض على سبيل الشيوع ولها طوطم مشترك وتحكمها حكومة بعينها وفق قوانين معينة؛ فإذا ما اتحدت عدة قبائل تحت رئيس واحد تكونت بذلك العشيرة؛ فالعشيرة هي الخطوة الثانية نحو تكوين الدولة؛ لكن التطور في هذه السبيل كان بطيئا إذ كان كثير من الجماعات بغير رؤساء وجماعات أخرى كثيرة لن تقبل نظام الرئاسة - فيما نظن - إلا في وقت الحرب فالديمقراطية ليست من مزايا عصرنا التي يُزهى بها على العصور السوالف، لأنها تظهر على خير وجوهها في كثير من الجماعات البدائية حيث لا تكون الحكومة القائمة عليها سوى ما يشير به رؤساء الأسر في العشيرة - ولم يسمح قط بقيام السلطة جزافا فالهنود من قبائل "إراكو" و "دلاوير" لم يعترفوا بشيء من القوانين أو الضوابط خارج نطاق النظام الطبيعي الذي تقضي به الأسرة أو العشيرة؛ ولم يتمتع رؤسائهم إلا بسلطة متواضعة في مقدور شموخ العشيرة أن ينسخوها في أي وقت شاءوا؛ وكان يقوم على هنود "أوماها" "مجلس السبعة" الذي يظل أعضائه يتشاورون في الأمر حتى يصلوا إلى إجماع في الرأي؛ فإذا أضفت إلى هذا جمعية الإراكوا المشهورة، التي تم فيها الاتفاق بين قبائل كثيرة، فارتبطت القبائل بما اتفقت عليه من عهود في حفظ السلام، لم تجد هوة سحيقة تفصل بين هؤلاء "الهمج" وبين الدول الحديثة التي تتعهد بنشر السلام في جمعية الأمم تعهدا قد يُخلّون به.
0 comments:
إرسال تعليق