الباب الاول - الفصل الاول : فى العصور القديمة : معادلات الصراع-موجات الاستبس-بين البر و البحر
الفصل الاول : فى العصور القديمة
1 - معادلات الصراع
فى هذا الباب يلخص الكاتب اوجه الاستعمار فى العصور القديمة ومعادلات ذلك الصراع . ويعد الاستعمار قديما قدم الانسان , فمن الممكن ان ننظر الى التاريخ القديم على انه فصول متلاحقة ومتداخلة من الهجرات او الغزوات , كتحركات بدائية غريزية منها الى الحركات الواعية المقننة , كما يسميها " والتر باجهوت" فترة تكوين الاجناس منها الى فترة تكوين الامم و ومن ثم اقرب الى الانثروبولوجيا منها الى السياسة .
واغلبها واخطرها لا يخرج عن معادلة بعينها محددة هى الصراع بين الرعاة والزراع .
معادلات الصراع : يحصر المؤلف الصراعات القديمة بين ثلاث معادلات :
الصراع بين الرمل والطين الصراع بين الاستبس والغابة الصراع بين الجبل والسهل
معادلة الرمل والطين : وهى تلخص عند "برستيد" تاريخ الشرق القديم , حيث نجد هجرات الرعاة وغزواتهم - بدءا من الاراميين الى الكنعانيين والفلسطنيين والعبرانيين والفينيقيين الخ - تتواتر خارجة من قلب الجزيرة العربية خاصة الى كل المناطق الزراعية المجاورة فى الهلال الخصيب ووادى النيل .
معادلة الصراع بين السهل والجبل : تختلف عن انماط الصراع الاخرى فى انها رأسية قارية ليست افقية , فنرى رعاة الجبال المحاربين ينقضون على السهول غزاة مخربين: من جبال ارمينيا وكردستان الى سهول الرافدين التى هبط عليها الكاسيون شمالا والعيلاميون جنوبا ومن بعدهم الاشوريون الذين سيطروا عليها جميعا . كذلم من مرتفعات الاناضول ( هجوم الميتان والميديين والحيثيين على الهلال الخصيب ) ( وفى اوربا من قلاع البلقان الى احواضها ) ( ومن كتلة الالب الى سهول البو ولومبارديا)
الصراع بين الاستبس والغابة : ابعد انماط الصراع القديم مدى وتراميا , وكان تخريب اكثر منه استعمارا , فمنذ فجر التاريخ والاستبس الاسيوى العظيم يمثل اعصار بشرى يلفظ موجات بشرية تظهر كالطفح على طول القوس الهائل من الاراضى الزراعية الغنية التى تحف به من جميع الجهات .
نقطة ضعف الاستبس الاصيلة انه - بحكم مركزه وسيولته - عجز عن ان يقيم امبراطوريات دائمة , موجاته تاتى كالزوبعة وكالدوامة تختفى .
2 - موجات الاستبس
شرقا (من منشوريا التى تمثل محيط استبسى الى الصين بانهارها وسهولها حتى كان عليها ان تبنى سورها الصناعى العظيم فى وجههم دون جدوى)
غربا يسير فى طريقين : ( الطريق المرتفع على طول مرتفعات وسط وجنوب غرب اسيا من منغوليا حتى ايران ) ومنهم جاء الهكسوس الى مصر.
( الطريق المنخفض على طول السهول العظمى فى قلب اسيا حتى اوربا والمجر)
وبهذا التأثير لعب الاستبس الاسيوى دورا خطيرا فى تشكيل تاريخ اوربا نتيجة لضغط الاستبس عليها بموجاتهم من الخلف , كتعرض روما فى القرن الخامس لاعتى موجة اسيوية تحت قيادة اتيلا الهون المشهور .
فاندفع اتيلا غربا حتى فرنسا , حتى تم صده اخيرا عند شالون , لان رعاة الاستبس لم يفشلوا الا حين خرجوا عن نطاق بيئتهم الطبيعية.
ونتيجة لضغط موجة الهاون على اوربا قفز الانجليز والسكسون الى الجزر البريطانية ليؤسسوا انجلترا بمثل ما هرب سكان اكويليا وبادو ليؤسسوا البندقية , وقبلهم فى القرنين الثالث والرابع الميلادى غارات القبائل الالمانية والقوط والفرنك الى جسم الامبراطورية هروبا من ضغط الاستبس .
وكرد فعل للخطر الهاونى الاستبسى تحالف الفرانك والقوط والرومان لاول مرة ونما بينهم وعى قومى وبهذا كان الهون فى الحقيقة يصنعون فرنسا الجديدة بوحدتها وقوميتها .
وبعد وفاة اتيلا الهون تلاشى خطرهم وارتدوا شرقا الى مصدرهم الاصلى .
ارتفع خطر الهون ليتلوه خطر الافار فى القرن السادس , وادى هذا الى انشاء ممالك لصد خطرهم ( كانشاء شارلمان لمملكة النمسا لتكون دولة حاجزية للدفاع عن الامبراطورية )
وكان هذا اخر ما ارسله الاستبس فى صراعه مع الغابة قبل ان تبدأ العصور الوسطى .
3 - بين البر والبحر
صيغة الصراع بين البر والبحر هى صيغة اصيلة , بين الفلاحين والملاحين .
كانت الصراعات السابقة تشتعل من اجل "الموضع" , اما صراع البر والبحر فمن اجل الموضع والموقع معا .
لقد كان البحر المتوسط هو المسرح لرئيسى لمثل هذه النشاطات التعميرية او الاستعمارية . نجد موجات الاستعمار البحرى تقطع البحر فى كل اتجاه (من فينيقيا الى قرطاجنة ) (من اثينا الى اسيا الصغرى وايطاليا ) (من قرطاجنة الى ايبريا ) الخ
وقد تطلعت قوة البحر الى التوسع الاقليمى , وبهذا بدا خلق الامبراطوريات البحرية المترامية الاطراف والتى ستكون بمثابة نمط بدائى اولى لامبراطوريات الاستعمار الاوربى فى عصرنا الحديث .
اثينا وروما : كانت اليونان اول من مثل هذا النوع حين توسعت عن دائرة العالم الايجى لتشمل غرب اسيا الصغرى واجزاء من ايطاليا وايبريا وشمال افريقيا وليبيا ومصر والشام والعراق , حيث جمعت بين سواحل البحر المتوسط فى ظل نظام سياسى امبراطورى واحد .
وبعد اليونان نجحت روما فى خلق امبراطورية ترتكز على البحر ولكنها لم تلبث ان تغلغلت فى البر حتى اصبحت "الطرق الرومانية" اخطر اثرا فى هيكل شبكة الامبراطورية من الخطوط البحرية , والفيالق المشهورة ابعد مدى من الزوارق الرومانية المعروفة , ابتلعت روما الامبراطورية الاغريقية بكاملها وتمددت بعدها لتشمل كل اوربا وقفزت المانش لتضم انجلترا السهلية , لتفرض روما بقوتها السلام الرومانى عدة قرون . وجعلت من البحر المتوسط "بحيرة رومانية خالصة" .
وياخذ الصراع بين البر والبحر بعد ذلك ابعادا اكبر حين يصل الى الاحتكاك والتصادم بقوى برية ضخمة , وتبدا هذه القصة ب :
اثينا و فارس : ظل الصراع بينهما سجالا فى حرب طروادة قرونا طويلة , وكما وصلت جيوش زيركسيس برا حتى ثرموبيل الشهيرة عبر النهرين واسيا الصغرى ومقدونيا و الى ان هزمت بحرا فى معركة سلاميس الحاسمة , كانت اكتساحة الاسكندر الخاطفة التى سجلت قمتها فى معركة اربيل والتى وصلت الى الهند شرقا اول امبراطورية من هذا المقياس شبه القارى فى التاريخ .
واذا كان النصر من نصيب قوى البحر , ففى كلتا الحالتين استولى كل من الطرفين على المناطق البينية فى الشرق الاوسط . ثم تتكرر نفس المعادلة فى الصراع بين روما وريثة اثينا والبارثيين ورثة فارس (ومعنى كلمتى روما وفارس وحده يعكس قوتهما : روما: الجبارة , فارس : المخربين ) لتستولى فارس على المنطقة البينية الشرقية ( العراق) وتستولى روما على المنطقة البينية الغربية ( الشام ومصر)
بينما ظلت صحراء العرب بينهما منطقة حاجزية .
ومرة ثالثة لترث بيزنطة روما والمنطقة البينية , والدولة الساسنية ترث فارس والمنطقة البينية .
والنتيجة الهامة التى نخرج منها من هذه الصورة المتواترة فى الصراع بين البر والبحر : انها اصبحت حساسة بالنسبة للمواقع البينية التى تفصل بينها وواعية باستراتيجية الموقع .
وبهذا اصبحت هذه المناطق البينية , منطقة صراع وارض معركة بين البر والبحر .
اصبحت محصورة بين شقى الرحى , ولا امل لها فى السيادة ولا مفر لها من التبعية لقوى البر او البحر .
ولكن هلى هكذا درس التاريخ اللاحق ؟
0 comments:
إرسال تعليق